· حال المؤمـن
التعلق باللـه تعالى وحده
قال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللـه وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ).قال السعدي: ( إن الناس قد جمعوا لكم ) وهموا باستئصالكم، تخويفا لهم وترهيبا، فلم يزدهم ذلك إلا إيمانا باللـه واتكالا عليه. ( وقالوا حسبنا اللـه ) أي: كافينا كل ما أهمنا ( ونعم الوكيل ) المفوض إليه تدبير عباده، والقائم بمصالحهم.
· تذكر دائما:
- أن من لم يكن له تعلق باللـه العظيم وكان منقطعا عن ربه لم يكن اللـه وليه ولا ناصره ولا وكيله .
- وأن من تعلَّق باللـه وأنزل حوائجه به، والتجئ إليه، وفوَّض أمره إلى ربه كفاه وهداه، وقرَّب إليه كل بعيد، ويسَّر له كل عسير.
- وأن من تعلق باللـه حفظه اللـه، ومن ضيع اللـه ضيعه اللـه .
- وأن من تعلق بغير اللـه تبارك وتعالى ذل لذلك الغير، لكن من تعلق باللـه صار عزيزاً.
- وإذا تعلق باللـه عز وجل وحده فإن اللـه تعالى يكفيه شرور الناس أجمعين، لأن نواصي الخلق بيده، وقلوبهم في قبضته، ولأنه لا يصيب هذا الإنسان إلا ما كتب اللـه له، فقد رفعت الأقلام وجفت الصحف.
· حال المؤمـن: إذا تعلق باللـه تعالى صار لا يمسي ويصبح إلا وقلبه معلق باللـه، يقوم للـه، ويقعد للـه، ويتكلم للـه، يراقب اللـه في حركاته في سكونه في أنفاسه في كلماته، ويترسم كل شيء فيه محبة اللـه حتى إذا بلغ إلى هذا المقام الشريف وهذا المنزل المنيف وأصاب محبة اللـه عز وجل، وأصاب رضوان اللـه سبحانه وتعالى، عندها تأتي الثمرة الثانية التي هي ثمرة محبة اللـه عز وجل.
قال بعض العلماء:ما أحب مؤمن ربه إلا تعلق باللـه في كل شيء يفعله ويقوله.
· ومن تعلق قلبه باللـه إنزالا لحوائجه باللـه ، ورغبا فيما عند اللـه ، ورهبا مما يخافه ويؤذيه- يعني يؤذي العبد- فإن اللـه- جل وعلا- كافيه ، كما قال تعالى: ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللـه فَهُوَ حَسْبُهُ ) .
· لا تعلق قلبك بغير اللـه: بعض الناس قلبه غير معلق باللـه، وإنما معلق بالموظف الفلاني، والصديق الفلاني، والأوراق التي قدمها، والإعلانات، وترقب النتائج من الشركة، ونحو ذلك، لكن لا يترقب شيئاً من اللـه، وبعض الناس مضيع للأسباب لا يبذل منها شيئا وأعظمها التعلق باللـه .
· صورة من التعلق باللـه: لما كتب أبو عبيدة عام اليرموك إلى عمر يستنصره على الكفار، ويخبره أنه قد نزل بهم جموع لا طاقة لهم بها، فلما وصل كتابه بكى الناس، وكان من أشدهم عبد الرحمن بن عوف، وأشار على عمر أن يخرج بالناس، فرأى عمر أن ذلك لا يمكن، فكتب إلى أبي عبيدة يقول: مهما ينزل بامرئ مسلم من شدة، فيُنزلها باللـه، يجعل اللـه له فرجاً ومخرجاً؛ فإذا جاءك كتابي هذا فاستعن باللـه وقاتلهم .
- إن موقف عمر رضي اللـه عنه يعد في ميزان كثير من الناس من إلقاء النفس في التهلكة، وتعرضاً للـهزيمة المؤكدة، لكن عمر كان يعلم أن النصر من عند اللـه تعالى، ولأن قلبه معلق باللـه تعالى لم يتعود إلا سؤال اللـه والتعلق به وحده مع بذل الأسباب المستطاعة، ولم يغفل في تلك اللحظة الحرجة حين جاءه الكتاب عن الحقيقة التي تربى عليها، وتذكر أن اللـه تعالى فوق كل شيء،وأنه على كل شيء قدير فقال ما قال بثقة كاملة وإيمان راسخ.
· الهمة العالية:
- هي التي تجعل العبد بقدميه على الأرض وروحه وقلبه معلق باللـه تعالى
- هي التي تجعل العبد معلقاً باللـه سبحانه وتعالى في كل شيء ، فلا يخشى إلا اللـه ، ولا يرجو إلا اللـه، ولا يذلّ إلا للـه، ولا يسأل إلا اللـه، ولا يستعين إلا باللـه ، كل أمره معلق باللـه، والناس وقوى الدنيا كلها لا يلتفت إليها، ولا يكترث بها، ولا تنال من عزمه ويقينه وتصميمه وإيمانه .
· وفي الحديث (.... واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه اللـه لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللـه عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ) .
· واللـه ما من عبد يتعلق باللـه فيخيب في تعلقه أبداً، وما من إنسان يلهمه اللـه أن يدعوه في كربة إلا كان موفقاً مجاب الدعوة.
· غزوة بدر والتعلق باللـه: إن الأسباب مهما بلغت مكانتها تبقى في دائرة الأسباب فلا يتعلق القلب بها، بل يتعلق باللـه تعالى الذي له ملك السموات والأرض، ولقد أكد اللـه على هذه الحقيقة عند ذكره لإمداد المسلمين في غزوة بدر بالملائكة قال تعالى إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللـه إلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إلاَّ مِنْ عِندِ اللـه إنَّ اللـه عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) . فالملائكة ما هم إلا سبب، ويجب ألا تتعلق القلوب بهم، بل تتعلق بالناصر الحقيقي وهو اللـه تعالى.
· التربية العملية: ماذا لا تربي ولدك منذ البداية على أن يتعلق باللـه؟
فإذا طلب شيئًا مفيدًا ولم تستطع أن تجيبه فقل له : هيا يا بني نصلي ركعتين وندعو اللـه فيهما ، فإنَّ اللـه هو الرزاق ، وهو ربنا المدبر لأمورنا ، فإذا لم يمنحني المال الذي أستطيع به أن آتيك بما تريد ، فاعلم أنَّ هذا ليس مفيدًا لنا الآن ؛ لأنَّ اللـه صرفه عنَّا .